وفقا لما أفادته وكالة أنباء أهل البيت (ع) الدولية ــ أبنا ـ ما إن انتهت الحرب بين ايران والكيان الصهيوني حتى خرج المرجفون والطائفيون مرة أخرى يبخسون من الإنتصار الإيراني على الكيان الصهيوني، ويستعرضون جرائم هذا الأخير ضد الجمهورية الإسلامية من خلال الضربات الغادرة التي تم فيها اغتيال عدد من القادة العسكريين والعلماء النوويين الكبار.
كما عادت مرة أخرى أسطوانة المسرحية لتصدر المشهد بالرغم من حجم الدمار الذي أصاب الطرفين، في حين آثر البعض العزف على الوتر البراغماتي بدعوة أن إيران إنما كانت تدافع عن وجودها وعن مصالحها فقط، وبأنها لم تحمل يوما هم غزة بدليل أنها أوقفت الحرب قبل أن يوقف الكيان مسلسل الإبادة في غزة ولن تفاوض بشأنها الأمريكي في استباق وقح لمخرجات هذه المفاوضات التي لم تبدأ بعد!! وذلك بالرغم من كل ما قدمته الجمهورية الإسلامية لنصرة غزة باعتراف قادة المقاومة الفلسطينية ومن ذلك خلق جبهات لإسنادها خلال معركة طوفان الأقصى..
بداية، وردا على من يزعم بأن اسرائيل هي التي انتصرت في هذه الحرب، فلنعد قليلا بالذاكرة إلى الوراء لنستحضر أهداف العدوان على الجمهورية الإسلامية، والتي أعلنها الكيان الصهيوني قبل بداية الحرب، ولم يتحقق منها شيء حتى نسلم بانتصاره، حيث كان في أولوية هذه الأهداف؛ إنهاء البرنامج النووي الإيراني وهو ما لم يتم حتى بعد تدخل أمريكا لضرب المفاعلات المشهورة وفي مقدمتها فوردو الذي لم يتأثر بالضربة وفق تقارير منابر إعلامية أمريكية مثل CNN التي هاجمها ترامب مكذبا روايتها التي أكدها المسؤولون الإيرانيون الذين صرحوا بنقل أجهزة الطرد المركزي قبل الضربة إلى مواقع مجهولة، وعززها آخر تقرير للاستخبارات الأمريكية حول العملية..
كان أيضا يجري الحديث عن تجريد الجمهورية الإسلامية من قدراتها الصاروخية التي زادت حدة وقوة في الأيام الأخيرة للحرب، حيث استهدفت إيران في الدقائق الأخيرة وقبيل سريان مفعول وقف إطلاق النار الذي دعا إليه ترامب الطرفين، إسرائيل بست صليات صاروخية في مواقع مختلفة من مساحة الكيان لم تتصدى القبة الحديدية لأي منها، وقد نجم عن هذا سقوط عدد من القتلى فضلا تدمير منشآت من بينها أحد مراكز الموساد في بئر السبع..
ويأتي حلم إسقاط النظام الإسلامي في إيران، والذي لم يتحقق لهم، بعد أن صرح به نتنياهو أثناء العدوان الغادر، وكرره ترامب الذي صار موضوعا للتندر والسخرية عند المعارضة، بعد أن دعا الله لمباركة إيران واسرائيل بعد نجاحه في وقف الحرب بينهما..
في المقابل حققت الجمهورية الإسلامية في إيران مجموعة المكاسب من هذه الحرب، لعل من أبرزها إفشال مخطط الانقلاب على النظام الإسلامي وإعادة التأكيد على شعبيته بعد التفاف كافة أطياف الشعب الإيراني عليه وخروجهم إلى الشوارع تنديدا بالعدوان الصهيوني على بلادهم ومطالبتهم بالثأر، خاصة بعد علمهم بالبديل الذي كان يعده لهم الأمريكي والذي لم يكن سوى ابن الشاه المخلوع، والذي سخرت منه حتى معارضة الخارج. كما تم القبض على مجموعة من عملاء الكيان داخل الجمهورية الإسلامية وتفكيك عدد كبير من شبكات التجسس والخلايا النائمة التي كانت تنتظر لحظة الصفر لخلق الفوضى وإشعال الوضع في البلد من أجل تمكين العدو من تنفيذ مخططاته الخبيثة، من خلال مساعدته على ضرب الأهداف الاستراتيجية والعسكرية وتأليب الشارع الإيراني على النظام.
أيضا كشف الرد الإيراني القوي عن هشاشة القبة الحديدية التي كانت تتباهى بها اسرائيل وعن ضعف المضادات الجوية المبثوتة في عدد من القواعد الأمريكية بالمنطقة، والتي كانت تقوم باعتراض الصوايخ الإيرانية، حيث باتت اسرائيل عارية تماما أمام هذه الصواريخ المدمرة في النهاية، مما جعل نتنياهو يهرع مذعورا إلى ترامب من أجل إيقاف الحرب..وهو الأمر الذي جعل هذا الأخير يقوم بتلك الضربة الإستعراضية للمفاعلات النووية الإيرانية مع علمه بأن الايرانيين حتما سينفذون تهديداتهم بضرب القواعد الأمريكية، وهو ما تم فعلا بعد ضرب قاعدة العيديد القطرية..لكن ولأن المسؤولون الإيرانيون قد فهموا هدف الأمريكيين من ضرب مفاعلاتهم خاصة بعد استخدام قنابل محدودة، وهو إنهاء الحرب، وتماشيا مع تصريحاتهم بعدم السماح لإيران بامتلاك القنبلة النووية، وليس توسيع دائرة الحرب وجر المنطقة إلى حرب شاملة خوفا على قواعدهم ومصالحهم فيها، فقد تم إعلام الأمريكي مسبقا بضربة العيديد ليتم إخلاءها، كما تم التأكيد في بيان الحرس الثوري الذي تلا العملية على العلاقات الأخوية المتينة بين الشعبين وعلى هدف الجمهورية الإسلامية من هذه الضربة التي جاءت أيضا بمثابة تحذير للأمريكي إن هو تمادى في مغامراته دعما للكيان المحتل..
الأمريكيون على الالتحاق بهم في هذه الحرب قبل فوات الأوان، حيث يتهمون إيران بمد الحوثيين بتكنولوجيا الصواريخ الباليستية والفرط صوتية التي أحرجت قدرات الغرب العسكرية، كما يحذرون أمريكا والعالم من امتلاك الجمهورية الإسلامية للقنبلة النووية بعد أن صارت حسب التقارير والإشارات قاب قوسين أو أدنى من ذلك.
ختاما، وردا على بعض الطائفيين والمغرضين الذين يتمنون هزيمة إيران في هذه الحرب، رغم كل ما قدمته لجبهات إسناد غزة وما خسرته من نفوذها في المنطقة في سبيل ذلك، فإن هذه الهزيمة التي لا يتمناها كل مناضل حر شريف سوف تدخل المنطقة برمتها إلى الزمن الصهيوني على السجاد الأحمر، ولن يستطيع أحد مواجهة إسرائيل مستقبلا بعد فقدان توازن الردع الذي كانت ولحد الآن تمثله إيران في المنطقة رغم كل الخلافات المذهبية والسياسية القائمة مع بعض جيرانها، مما يمكن احتواءه في كل الأحوال بالتصالح والحوار كما حصل مع المملكة العربية السعودية، ولم لا التنسيق والتقارب الاستراتيجي كما انطلق مؤخرا مع مصر.
فعندما تجد إسرائيل نفسها مسيطرة على المنطقة، تصول وتجول كما تريد، فهي لن تحتاج بعد ذلك إلى اعتراف أحد أو تعاونه، لأنها ستأخذ ما تريد بدون إذن أحد. وهو ما فطن إليه عدد من المحللين والمفكرين (المفكر المصري محمد سليم العوا) والعلماء العقلاء في العالم العربي والكيانات السنية (الدكتور أحمد الريسوني، عضو مؤسس ورئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين حتى سنة 2022 )، والذين خرجت بياناتهم أخيرا أفرادا وجماعات تدين العدوان الإسرائيلي على إيران وتدعو إلى نصرة الجمهورية الإسلامية والوقوف معها في هذه الحرب، حيث جاء في رسالة من جماعة الإخوان المسلمين إلى المرشد الإيراني علي الخامنائي بأن عدو الأمة واحد، وهو العدو الإسرائيلي، وبأن التمسك بوحدة الأمة الإسلامية، وتجاوز آثار أخطاء السنوات الماضية بات السلاح الأول الذي يجب التمسك به في ظل الظروف الصعبة التي تحيط بالأمة. خاصة في ظل وقوف الغرب بأنظمته السياسية ومؤسساته الاقتصادية مع الكيان الصهيوني المحتل رغم همجيته وجرائمه التي تجاوز بها كل الحدود، وإن كانت شعوبهم تستنكر ذلك من باب الإنسانية التي أسقطها الصهاينة المتطرفون من قاموس هذا الكيان عمدا، للإجهاز على كل من يقف في مشروعهم التوراتي الأسطوري في المنطقة.
د. محمد أكديد
باحث في علم الاجتماع السياسي و عضو فی الاتحاد العالمي للاساتذة الجامعيين
.....................
انتهى / 323
تعليقك